انطلاق فعّاليّات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة السنوي الثقافي السابع
موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة
2023-06-30
أطلقت العتبة العبّاسيّة المقدّسة، يوم الخميس (1 حزيران 2023م) فعّاليّات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة السنوي الثقافي بنسخته السابعة، والذي يقام في الذكرى السنويّة للفتوى المباركة التي اطلقتها مرجعيّة النجف الأشرف للدفاع العراق وشعبة ومقدّساته عام (2014م)، ضد عصابات داعش الاجراميّة.
وشهد المهرجان حضور أعضاء مجلس إدارة العتبة المقدّسة ورؤساء أقسامها، فضلاً عن مشاركة العديد من الشخصيّات الدينيّة والحوزويّة والرسميّة والأكاديميّة من داخل العراق وخارجه.
وأقام المهرجان قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة، ومؤسّسة الوافي للتوثيق والدراسات، وجمعيّة العميد العلميّة والفكريّة، احتفاءً بالذكرى السنويّة لإطلاق فتوى الدّفاع المقدّسة وتحت شعار: "المرجعيّة الدينيّة حصن الأمة الاسلاميّة"، على قاعة الإمام الحسن (عليه السلام)، ولمدة يومين.
استُهِل حفل افتتاح المهرجان بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وقراءة النشيد الوطني العراقي، ونشيد العتبة العبّاسيّة المقدّسة، وكلمة للعتبة المقدّسة القاها عضو مجلس إدارتها الدكتور عباس الدده الموسوي.
وجاء في نص الكلمة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وعلو مكانه، حمدًا له بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها، وأزكى الصلاة وأتمّ التسليم على سيّد من خَلَق وصفوة من اصطفى وعلى أهل بيته محال معرفة الله وسدنة رسالته وموضع هدايته.
وبعد، فماذا لو أنّ إنسان القرون الذاهبة لم يترك لنا أثرًا من نقوشٍ أو رسومٍ أو كتابة؟
وكيف لنا أن نعرف عنه أشياء كالتي عرفناها من خلال آثاره الباقية؟
ماذا لو أنّ الفكر الإنساني القديم، لم يدوّن؟
كيف لنا أنّ نعرف عنه أشياء كالتي عرفناها في المدوّنات والمخطوطات التي وصلتنا؟
ماذا لو أنّ جهة وحيدة أخذت على عاتقها مهمّة النقل والتدوين؟
هل سيسلم نقلها وتدوينها من نوازع نفوس أصحابها، وأهوائهم، وأمزجتهم، وأيديولوجيّاتهم، لاسيّما في ظل احتراب عنصري أو قومي أو طائفي أو ديني أو نحو ذلك؟
هذه التساؤلات ونحوها، تضعنا أمام خطورة اللاتدوين، مثلما توقفنا على خطورة التدوين المضاد للحقيقة.
من هنا، كان لابدّ من خيار التدوين لكل شيء رافق تلك اللحظة الزمنيّة الفارقة من عمر الزمن المعاصر، التي أعادت للبلاد كينونتها، ولإنسانها إنسانيته، وأعني لحظة (فتوى الدفاع الكفائي) التي صدحت بها حنجرة المرجعيّة العليّا.
ذلك التدوين أراد له سماحة المتولي الشرعي للعتبة العبّاسيّة المقدّسة السيد أحمد الصافي، أن يصون الصحائف التي أرّخت لمرحلة الفتوى من عبث أيادي الزمان، والأقلام المأجورة التي بها (تنحرف الحقائق، وتنقلب الموازين، وتغيب المصداقيّة)، كما نصّ في كلمته التي قدّم بها لسفر الموسوعة الخالد.
لقد أرادت الموسوعة أن توثِّق تلك اللحظة من صدور رجالاتها، وعلى مقربة من فضاءاتها، وتحت عين زمانها، كي لا ندع فرصةً أو مجالاً لأهواء أعدائها بنسج ما يريدون من تشويهات وأباطيل ضالة مضللة.
لا شك أنّ حدثًا كهذا أولى بالتوثيق، والتدوين، والحفظ؛ ولعله الحدث الأهم في حياة العراقيين، أقول في حياة؛ لأنّها حقًّا لحظة عدل الحياة بأسرها، لحظة صادمة بين أن يحيا الإنسان كما شاءت له إرادة بارئه حرًّا كريمًا، أو يموت ليولد؛ فتموت دولة الخرافة إلى غير ذي رجعة.
لقد بدت الحياة وقتذاك جحيمًا، والبلاد مهددة بالانقراض، وتغلغل السواد في فضاءاتها، فأظلم حتى سدّت منافذ الأمل والصبر، أو كادت، والفساد قد استشرى أو كاد، والحق قد خضع واستخذى، والشر قد أبدى ناجذيه بقطعان داعش التي خرجت من جحور الأزمان الغابرة، ليعتمَ بها مشهد الحياة.. حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الأهلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ خُذِلوا، وتُركوا، جَاءَهُمْ الأمل، وتجلى لهم بسليل البشير النذير، سيد النجف لـ(يَقُول هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) فيحمل العراقَ كلَّ العراق في سفينة الفتوى ويستنقذه من طوفان ذلك الزمن.
لم تزل أيها الأخوة، صور تدافع العراقيين على مقرّات التطوّع راسخة في الأذهان، وتزاحمهم حول قاطرات النقل، كأنما يتزاحمون على عين ماء في صحراء، وسوقهم إلى خط النار كأنما يساقون إلى الجنة زمرًا، يتسابقون للوصول إلى خط التماس مع داعش، كأنما هم على موعد مع خزنة الجنان، ليقولوا لهم: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ.
وما هي إلّا لحظة ولاء وانتماء، زُفَّت فيها غرر الشباب، حتّى انجلت الغمة، وقطف العراق أطايب التحرير من غرس الفتوى، ومن نمير معينها أسال الحياة.
وظل علينا الآن أن نفي حقّ الفتوى وصاحبها، ونوثِّق (سِيَرَ من نفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهمْ وَأَنفُسِهمْ)، وندوّن التضحيات، ونصونها بقفص من الضلوع، في هذه الموسوعة وفي ندوات ومهرجانات ومؤتمرات كهذه ومن أولى إمارات الوفاء لهم، أن ننشر في الآفاق تضحياتهم، ونخلد ذكرهم؛ ذلك أنّ التاريخ - حديثًا ومعاصرًا - ما انفك يسوّق لنا أسماء أجنبيّة كنماذج للبطل المُخلِّص، أو المواطن المخلص، مع أنّ تلك الأسماء لا يجمعنا وأيّاها جامع عقائدي أو مذهبي أو ديني.