النشاطات

السيد الصافي: المرجعية الدينية حوّلت حزن العراقيين إلى سعادة وخوفهم إلى طمأنينة وثبات

السيد الصافي: المرجعية الدينية حوّلت حزن العراقيين إلى سعادة وخوفهم إلى طمأنينة وثبات

موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة

2024-06-07

أكد المتولي الشرعي للعتبة العباسية السيد أحمد الصافي، أنّ المرجعية الدينية العليا ومن خلال إطلاقها لفتوى الدفاع الكفائي، قد حولت حزن العراقيين إلى سعادة، وخوفهم إلى طمأنينة وثبات.
وأدناه نص الكلمة:
الحضور الكريم... السادة الأفاضل الضيوف الأعزاء السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته..
أهلاً وسهلاً بكم في ضيافة هذا المكان المبارك في حضرة أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وأنتم وإيانا نستذكر ذلك المشهد العظيم الذي نطقت به المرجعية الدينية العليا، وأفتت بفتواها الخالدة وترتّب عليها ما ترتّب من نجاح وانتصار.
فلله الحمد على ما جمعنا، ولله الحمد على ما رزقنا في هذا البلد، ولله الحمد على ما أرانا الهزيمة النكراء لداعش، وله الحمد على ما جمع كلمتنا جميعًا في هذا البلد الكريم، ونسأل الله سبحانه وتعالى دوام التوفيق لكم جميعًا.
أنا في الواقع لا أحب أن أدخل في مواضيع شتى بما أفرزتها الفتوى المباركة، لكني أريد أن أذكر شيئًا واحدًا فقط، الذي أنتجته الفتوى هي هزيمة نكراء لقوى الشر بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وبما تنضوي تحته، سواء كان على مستوى الفكر أو التخطيط أو التنفيذ أو التمويل، كل هذه سقطت إلى غير رجعة أمام صمود أبناء هذا البلد.
المستفاد من هذه الفتوى الكريمة قطعًا دروس كثيرة، وبحمد الله تعالى أنجبت هذه الفتوى أبطالاً من الطراز الأول على اختلاف الأعمار، شاهدنا فيها الفتى الذي لم يبلغ الحُلم، وشاهدنا الشيخ الذي شارف على السبعين أو الثمانين، كلهم كانوا في خندق واحد يحملهم الهم لما جرى على البلد، ويحدوهم الأمل لتعافي البلد، وبحمد الله تعالى قد حقق الله أمانيهم.
طبعًا لم يكن الثمن سهلاً لا شك ازاء هذه المشكلة الكبيرة بأن يهدد بلد بكامله، لابد أن يكون الثمن بمستوى قيمة التحديات، وكان الثمن دماء زكية نقية أعطاها هذا البلد من أجل أن يبقى شامخًا عزيزًا كشموخ نخيله، وكي يبقى هذا البلد لقدمه، يرفد العالم بما يجود به من فكر، كقدم نهريه العظيمين، وهذا الثمن جميع العراقيين يقدرونه، ويجعلون هذه الدماء رمزية عظيمة في حياتنا، بحيث نستشعرها اليوم ونعلمها إلى الأجيال القادمة.
أنتم تعلمون، نحن لأننا نعيش في هذا الظرف، ليس بالضرورة كلنا يتنبأ بالمستقبل، لكن من حق الأجيال في المستقبل عندما تستعرض تاريخ العراق أن تقرأه ناصعًا صحيحًا كما جرى، فقطعًا مرحلة داعش والفتوى من المحطات المهمة في تاريخ العراق، وهي ليست حدثًا طارئاً بحيث تغفل عنه مراكز الدراسات أو المناهج الدراسية، سواء كان في الجامعات أو المدارس، فلابد أن نمر بهذا الحدث ونستجلي جميع الصور التي مرت به، وأيضًا نقف بكل إجلال واحترام للشباب الذين أعطوا دمائهم دفاعًا عن هذا الوطن.
طبعا المحفز الرئيس لهذه الثلة الطيبة من أبنائنا الذين استشهدوا والذين جرحوا - منَ الله عليهم بالعافية- والذين بقوا إلى الآن -أسأل الله تعالى لهم دوام التوفيق والتسديد والشجاعة والبسالة - كل هذه العناصر هي محل افتخار لنا، والذي شجع هؤلاء ونفخ فيهم روح البطولة والتحدي، هي تلك الفتوى المباركة من سيدنا أطال الله في عمره الشريف، المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني، واستطيع أن أختصر ما حققته الفتوى بسطر أو سطرين: هنالك حالة نسميها حالة الحزن وهنالك حالة نسميها الخوف، عندما سقطت الموصل في ذلك اليوم المشؤوم، كان العراق يمر بحزن وخوف، الحزن على شيء وقع، والخوف على شيء مستقبلي سيقع، والإنسان يحزن على أمر قد وقع، ويخاف من مستقبل مجهول.
إنّ الخوف أكثر من القلق، العراق كان يمر بحالة من الحزن والخوف، ومرّت هذه السحابة السوداء وكلكم شهود على ما مرّ بالبلد، في تلك اللحظة كانت حالة من الترقب والقلق وحالة من الحزن بل حالة من البكاء، والخوف يختلف عن الجبن، الخوف غريزة كالأكل والشرب والإنسان يخاف، الجبن رذيلة مقابل الشجاعة.
الإنسان يُذم على الجبن ولا يذم على الخوف، (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (طه 67)، وكان أمرًا طبيعيًا، فالإنسان يخاف من أمر مخوف، ولا علاقة لذلك بالجبن، فلا علاقة لهذا بهذا، والحزن أيضا حالة طبيعية للإنسان في المواقف المحزنة، فالأنبياء يحزنون في تلك المواقف، وهذه من الحالات التي يمر بها كل منّا.
وأنا هنا لا أتحدث عن الرذائل كالجبن، بل عن الحالة التي مرّ بها البلد آنذاك، نعم قد يُقال أنّ البعض جبن حينها وفرّ من البلد، نقول هذه حالات فردية، أنا لا أتحدث عن هذا المقدار، فهذا المقدار لم يصنع التاريخ ولا يصنع التاريخ، لكن أنا أتكلم عن أناس محبة لبلدها كانت حزينة على ما حدث، وكانت خائفة عليه، والفتوى المباركة حولت الحزن إلى سرور، وحولت الخوف إلى طمأنينة وثبات، فطوبى للمرجعية الدينية العليا التي استطاعت أن تحول الحزن إلى سرور وسعادة، وحولت الخوف إلى طمأنينة وثبات، وهذا إنجاز رائع لا يمكن أن يحدث إلا لمثل قوة وحكمة المرجعية الدينية العليا.
فسيد النجف أطال الله عمره الشريف، حول حزن العراقيين إلى سعادة، وحول ذلك الخوف إلى طمأنينة، هذا الكيان الكبير العظيم، وقف معه وبقوة، وسند هذه الفتوى هي تلك الدماء الطاهرة وتلك الشباب وذلك العزم الذي استطاع أن يقول لبيك بمعنى الكلمة، للحفاظ على البلاد والعباد، والحفاظ على الأرض والعرض، والحفاظ على كل المقدسات، هذه في الواقع نقطة واحدة ذكرتها حول الفتوى، ولا أريد أن أطيل، هذا الناتج كان ناتجًا عظيمًا، نسأل الله تعالى أن يرفع عنا الحزن إلى لا عودة له، ويرفع عنا الخوف أيضا إلى لا عودة.
أهلًا وسهلًا بالضيوف الكرام والأخوة الأعزاء متمنيًا لكم دوام التوفيق والتسديد وأن تأنسوا بهذه الجلسات الكريمة، وقبل أن أترك المنصة أحيي الأخوة الذين دأبوا على توثيق تاريخ العراق، وبحمد الله تعالى موسوعة الفتوى المباركة قد نمت وتكثرت أجزائها، واليوم إن شاء الله تعالى سترون كم الأجزاء التي توفرت عليها، بعد أن كانت قبل ثلاث سنوات تحتوي على (62) جزءًا اليوم، نمت إلى (80) جزءًا، ساعد فيها الأخوة الذين كانت لهم مشاركة في مختلف صنوف القوات والمتطوعين وجميع الأعزة الذين شاركوا في هذه السنوات الثلاث التي عصفت بالبلد، وكما قلنا تحولت إلى شيء إيجابي، حقّ علينا أن نوثق تلك التضحيات والبطولات التي ساهم فيها أبناء هذا البلد، بمشاركتكم وحضوركم إن شاء الله تعالى يتزين هذا المؤتمر بما تجود به أفكاركم وأقلامكم الكريمة خدمة لهذا البلد وأهله.