السيد الصافي: حَدَث الغدير كان فيه تصريح وليس تلويح بإمامة أمير المؤمنين (سلام الله عليه)
موقع قسم الشؤون الفكرية والثقافية
2025-06-15
أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة العلّامة السيد أحمد الصافي، أنّ حَدَث الغدير كان فيه تصريح وليس تلويح، بإمامة أمير المؤمنين (سلام الله عليه).
جاء ذلك في كلمته خلال حفل افتتاح فعّاليات أسبوع الإمامة الدوليّ الثالث الذي تُقيمه العتبة المقدّسة، تحت شعار (النبوَّة والإمامة صِنوان لا يفترقانِ)، وبعنوان (وصايا الأئمّة رشدٌ وتقوى)، تزامنًا مع عيد الغدير الأغرّ، وبمشاركةٍ واسعةٍ من الدول العربيّة والإسلامية والأجنبية.
وجاء في نصّ الكلمة:
السلام عليكم أيّها الإخوة الأكارم، السادة الفضلاء، الأساتذة الأعزّاء، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
اللهمّ اكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة...
اللهمّ ردّ كيد المعتدين الظالمين إلى نحورهم
اللهمّ عجّل بهلاك هذا الكيان المُغتصِب بمحمّد وآله...
نبارك للمسلمين الأعزّاء عيد الغدير الأغرّ، الذي قال فيه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، بعد نزول الآية المباركة، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، قال (صلّى الله عليه وآله): "الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعلي(عليه السلام)"، وقد ذكر ذلك البدخشي في مفتاح النجاة من الجمهور، وقال: وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، يعني هذا الدعاء الذي دعا به النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بعد نزول هذه الآية المباركة.
تنطلق فعّاليات هذا المؤتمر، أسبوع الإمامة تزامناً مع عيد الغدير المبارك، وهو العيد الذي أظهر فيه النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أمام الملأ من المسلمين، أظهر ولاية أمير المؤمنين (سلام الله عليه).
في الأحداث التي سبقت عيد الغدير، النبيّ بيّن ذلك في كثيرٍ من المواطن، لكن مناسبة الغدير، كانت مناسبةً خاصّةً وإطلالةً مهمّة، سواء كان في الحدث الزمانيّ والحدث المكانيّ وظروف وملابسات الواقعة، ممّا جعل الأضواء مسلّطةً على الحدث الجلل الذي سيبيّنه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وفي معتقد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كما هو واضح للكلّ، سواء كان في الكتب الكثيرة والهائلة المبوّبة والمدوّنة لهذا الموضوع، أو في محاضرات أعمدة الطائفة والمفكّرين أو الروايات الشريفة.
فواضحٌ على أنّ هذا الحدث المهمّ، حدث الغدير كان فيه تصريحٌ وليس تلويح بإمامة أمير المؤمنين (سلام الله عليه).
قراءة النصّ القرآنيّ بعد ذلك اختلفت، وذلك لأنّ فَهْمَ البعض غير ما كان يُفهم من الصحابة أوائل ما نزلت الآية، أو لدواعي نفسية، أو اجتماعية، أو لجهلٍ في تركيب الكلام، أو لدواعي سياسية.
المهمّ في كلّ ذلك أن الجوانب العلميّة يحب أن لا تفقد، فالبحث العلميّ لا تؤثّر عليه كثيرٌ من هذه الجوانب، شريطة أن تبقى أصول البحث العلميّ على ما هي عليه، باعتبار أنّ هذه النصوص، هي نصوصٌ مسموعة ومقروءة، والأدلّة السمعيّة كثيرة، من جملتها هذا الدليل، لإثبات شيءٍ محدّد.
في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، كانت الإمامة أصلاً من أصول الدين كما هي النبوّة، والفارق يُبيَّن في الكتب العلميّة، الفوارق ما بين النبوّة والإمامة، لكن في أصل المطلب، أن الإمامة تُعتبر من الأصول المهمّة، ودرجت عليه حتّى سُمّيت الطائفة بالإثني عشريّة، إشارةً إلى أنّ أئمّة الطائفة الشيعيّة هم إثنا عشر إمامًا بدءًا مِن أمير المؤمنين(سلام الله عليه) وانتهاءً بالإمام الغائب، الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكتحل أعين الجميع بالطلعة البهيّة الرشيدة له (سلام الله عليه).
ولا شكّ بأنّنا نمرّ في ظروفٍ نحتاج أن نتمسّك به (سلام الله عليه)، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجّل لنا فرجه (سلام الله عليه).
الإمام السجّاد (صلوات الله عليه) في دعاء عرفة المعروف، وهو هذا المشهد المبارك، كما في مضمون الرواية على أنّ الحجّ هو عرفة، بداية الحجّ تبدأ من يوم عرفة، ويُستحبّ في هذا اليوم المبارك، الإكثار من الدعاء، حتّى أنّه ورد استحباب الصيام فيه، لكونه شعيرةً مهمّة ومستحبّة، وأنّه في يوم عرفة إذا كان الصيام يُضعف الإنسان عن الدعاء، فيترك الصيام ويتوجّه بالدعاء، لما لهذا الظرف الزمانيّ من أهمّيةٍ كبيرة في استجابة الدعاء، ولأن الله سبحانه وتعالى يحبّ أن يرى العبد دائماً في الدعاء، كما ورد في مضمون الحديث أنّ العبد دعّاء، أو المؤمن دعّاء، يعني كثير الدعاء، وقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ).
الحاجةُ الأساسيّة للارتباط بالله تبارك وتعالى في حالة الدعاء، في هذه المناسبة في يوم عرفة، نرى أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام) عنده دعاءٌ كبيرٌ مختصّ بيوم عرفة، وانتقالات الدعاء أيضاً مهمّة، وكانت من جملة الانتقالات هو ما يرتبط بمؤتمرنا هذا، الذي أفرد فقرةً مهمّة لمسألة الإمامة.فبعد أن وحّد الله تعالى وصلّى على النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ثمّ بدأ بالإمامة وبعدها انتقل إلى أتباع الإمام (عليه السلام)، تبويب الإمام السجّاد(عليه السلام) في هذا الدعاء يُلفت النظر واقعاً، ولعلّي أذكر بعض ما بيّن (سلام الله عليه) في صُلب موضوعنا هذا، موضوع الإمامة، قال: (اللهمّ إنّك أيّدتَ دينك في كلّ أوانٍ بإمامٍ أقَمتَه عَلَماً لعبادك، ومناراً في بلادك، بعد أن وصلتَ حبله بحبلك، وجعلته الذريعةَ إلى رضوانك، وافترَضتَ طاعته وحذّرت معصيته).
أنا أقول: إنّنا نتعامل مع نصٍّ معصوميّ للإمام زين العابدين(عليه السلام)، الإمام زين العابدين(عليه السلام) هو حلقةٌ من السلسلة المباركة للأئمّة الإثني عشر، وهذا حديث الأئمّة (عليهم السلام) كما نطقت به الروايات، أنّ حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي -عن الإمام الصادق-، وحديث جدّي حديث أبي إلى أن يصل إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وعن النبيّ عن جبرائيل عن الله تبارك وتعالى.
هذه السلسلة المسمّاة بالسلسلة الذهبية، بمعنى أن الروايات التي تبدأ من أيّ إمامٍ تنتقل إلى السابق له، يعني ينقل عن الإمام الذي قبله وتصل إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ثمّ إلى جبرائيل وإلى الله تبارك وتعالى، سواء الإمام قال (قال أبي) أو لم يقل، لذلك في بعض الحالات نرى الإمام يحدّث عن أبيه ويحدّث عن جدّه إلى آخره، لكن واقع القضيّة أن العلم الموروث عند الأئمّة (سلام الله عليهم)، طريقته هذه.
فالإمام عندما يعرِّف الإمامة، فيعني عنوان الإمامة، وهذا العنوان قد تحدّثنا به في جلسةٍ سابقة.
نحن تارةً نتكلّم عن الإمامة، يعني عنوانها، وعندما نأتي مثلاً إلى النبوّة، ونتساءل، ما هي النبوّة؟ هذا المفهوم له معنى، ونقول النبوّة هي هذه السفارة والعلاقة ما بين الله وما بين العباد.
ولأنّ الله سبحانه يحمي دينه من التبديل والتحريف، فقطعاً لا يُمكن لأيّ أحدٍ أن يدّعي النبوّة، وإلّا ستكون الحياة هرجاً ومرجاً، ولا يبقى دينٌ أصلاً، فالدعوة لا بُدّ أن تؤيَّدَ بدليل.
وهذا الدليل مطابقٌ للدعوة، فلذلك لا يجرؤ أيّ أحدٍ على أن يقول إنّي نبيّ، مع اتّفاقِ الاصطلاح، يعني المقصود أنّي نبيّ مبعوث ومُرسلٌ من الله تعالى، لا يجرؤ أيّ أحدٍ على قول ذلك، لأنّه سيُطالَب بالدليل، فما هو الدليل على أنّك نبيّ؟!.
الذي تجرّأ على ذلك بالنتيجة قد خدع بسطاء الناس ولم ولن يستقيم أمره، وانتهى وتلاشى تاريخه ولم يبق له إلّا الذكر السيّئ، فجرأةُ الناس على ادّعاء النبوّة يُعلّم مصير هذه الجرأة ما هو.
الإمامة بهذا المقدار ارتباطٌ بالله تعالى أيضاً، فلا يجرؤ أيّ أحدٍ على أن يدّعي أنه إمامٌ منصَّبٌ من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وأن ارتباطه بالله، إلّا أن يكون فعلاً عنده الدليل.
فعندما نعرف أنّ الإمامة تربط بالله تعالى، نعم نقول هي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ومصاديق هذه الإمامة حتّى لا تنطبق على كثيرٍ من الناس، أيضاً تحتاج إلى تأييد، والذي يدّعي الإمامة لا بُدّ أن يكون بمستوى هذه الدعوة، باعتبار ارتباطها بالله تبارك وتعالى، ولذلك لم يجرؤ أحدٌ على أن يدّعي الإمامة بهذا المقدار غير الأئمّة الأطهار(سلام الله عليهم).
أعتقد أنّ هناك روايةً وسأقرأها بالمعنى وليس بالحرف، لأنّها بالنصّ ليست في ذهني الآن، المعنى هو، يدخل أحدهم بعد وفاة الإمام الباقر(عليه السلام) معزّياً الإمام الصادق(عليه السلام)، فيعرض على الإمام الصادق(عليه السلام) في مقام أن يمدح الإمام الباقر(عليه السلام) يقول:
كأنّا فقدنا شخصاً كان يقول: قال النبي(صلّى الله عليه وآله) ويذكر الحديث، ولم يجرؤ أحد أن يسأله أنه من أين أخذت هذا المعنى؟!.
مقام مدحٍ من السائل يعظّم فيه الإمام الباقر(عليه السلام).. بعد وقتٍ قال الإمام الصادق: (قال الله تعالى)، فحيّر السائل المُعجَب بالإمام الباقر، لكون أنّه كان يتحدّث عن النبي مباشرةً، وإذا بالإمام الصادق يتحدّث عن الله تعالى!!! فلم يجرؤ أن يسأله كيف تقول ذلك.
وهكذا بقي الأئمّة (عليهم السلام) في تفاوت أعمارهم، وهم يديرون ويهيمنون علميّاً على مجالس الإحراج التي كانت تُعقَد مع إمكانات الدولة آنذاك في تلك الحالة، سواء كان في الدولة الأموية أو الدولة العبّاسية، مجالس تُعقد لإحراج الإمام (عليه السلام).
الإمام الباقر(عليه السلام) يُحرَج مثلاً في رمي السهام، والإمام الجواد(عليه السلام) يُحرَج في الإجابة عن الأسئلة، والإمام الهادي(عليه السلام) يحاولون أن يُحرجوه مثلاً في مجلس آخر، حين يأتي أحدهم يعمل بعض الألعاب التي تُضحك الآخرين ويحاول أن يسخر من أمير المؤمنين(سلام الله عليه) بحضور الإمام الهادي أو العسكري(عليهما السلام)!!! ومع كلّ هذا ظهرت براهين من الأئمّة (سلام الله عليهم) بحيث عجز الآخرون عن التجاوب مع ضدّها، فبالنتيجة يذعن المخالِفُ لهم.تبقى لدينا مسألة، لماذا لا يتبعون مع هذا التسليم بأعلميّتهم وقدرتهم؟!! ربّما هي مسألة أخرى، فنحن الآن لا نريد أن نسأل لماذا تعصي الناس الله تعالى؟! قطعاً الله تعالى هو مصدر الخير ومع ذلك الناس تعصيه.
الاتّباع شيء والاحتجاج بالحقّ وإثبات الحجّة شيءٌ آخر، فنحن نريد الاستدلال على إمامة الأئمّة سواء كان بالنصوص السمعية -يعني بالأدلّة النقلية-، أو الأدلّة العقليّة، باعتبار أنّ الإمامة منصبٌ كالنبوّة.
وإذا كانت الإمامةُ منصباً الهياً فهو يحتاج إلى دليلٍ لوجود هذا المنصب.
تارةً الدليل يكون عقليّاً وتارةً يكون نقليّاً، ولعلّ العلّامة الحلّي (رضوان الله تعالى عليه)، ألّف كتاباً اسمه (الألفَين)، يعني ألف دليلٍ عقليّ في الإمامة، وألف دليلٍ نقليّ في الإمامة، ولعلّ ولده فخر الدين (قُدّس سِرُّهما) عندما كان يحقّق في الكتاب، وصل إلى أحد الأدلّة العلميّة الخمسين، وكان يرى أن هذا الدليل ليس عقليّاً، فيقول:
في الرؤيا رأيت والدي، الرؤيا ليست حجة للعامة، لكن في بعض الحالات تحكي عن نفسها، وبدأت أناقشه أنّ هذا الدليل ليس عقليّاً وكان يصرّ على أن الدليل عقليّ، ونقاشه كأنّه حيّ، وأنا معه، إلى أن بيّن أنّ الدليل عقليّ.
أقول لهذه الدرجة كان يهتمّ السلف والعلماء -وما زالوا- في مسألة الإمامة، لكونها معتقداً.
الغدير المبارك بيّن هذه المسألة أمام مرأى ومسمع المسلمين، أمّا تفسير النصوص فمطلبٌ آخر، المهمّ أصل القضيّة في الإمامة، التي بدأت من أمير المؤمنين(عليه السلام) وانتهت بالإمام الحسن العسكري(عليه السلام)، إلى سنة 255 ومن تلك السنة إلى الآن في هذه الساعة التي نتكلّم بها، فإنّنا تحت عناية الإمام الثاني عشر الإمام المهدي(سلام الله عليه)، نعم نحن حُرِمنا من النظر إلى محيّاه الشريف، لكن قطعاً نحن بظلّ رعايته، وتحت نظره المبارك، يرعانا برعايته.
فأسبوع الإمامة الذي كان يُفترض أن يكون أوسع وفق ما خطّطنا وأنجزنا له، وسينوّه إن شاء الله تعالى عنه جناب الأخ عريف الحفل، فنتيجة الظرف الذي تمرّ به المنطقة ولظروف بعض الإخوة الكتّاب الأفاضل، صعب على الكثير منهم أن يحضروا معنا، فتقلّص الأسبوع مدّةً وعددَ بحوثٍ في هذه السنة، وإلى أقلّ من وقته المقرّر، وإلّا فالبحوث جاهزة والشخصيّات كلّها كتبت لنا، لكنّ الظرف منعها من الحضور، والحمد لله على كلّ حال.
الشاهد أن الإمام زين العابدين(عليه السلام) يعبّر هذا التعبير (بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذريعةَ إِلَى رِضْوَانِكِ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَةَ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَال أمْرِهِ وَالْانْتِهَاءِ عَنْدَ نَهِيهِ، وَأَنْ لاَ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ وَلاَ يَتَأْخَّرْ عَنْهُ مُتَأْخِّر، ثم فهو عِصمةُ اللائذين وكهف المؤمنين وعروة المتمسكين وبهاء العالمين)، طبعاً العِصمةُ تعرفون معناها، هي المنع.
قال النبيّ نوح لابنه: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) في مسألة الطوفان، حينما قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني.
تصوّر ابنه أنّ هذا الطوفان مسألة سهلة، يعني يكفي لجبلٍ مرتفع أن يحميه!! فقال إني سأصعد إلى الجبل حتّى ينتهي الطوفان، فكان جواب أبيه نوح قال: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ).
إذن.. المسألة ليست مسألة مطرٍ قليل وينتهي، بل مسألة انتقامٍ ممّن يستحقّ ذلك.
الله تعالى إذا أراد أن ينتقم، فلا يقف أمام إرادته أحد، فالعصمة هي التي يلجأ الإنسان إليها ويعتصم -أي يمتنع- من أيّ سوءٍ يصيبه، فإذا كان ممتنعاً كان ناجياً.
فإنّ الإمام (عليه السلام) يقول (هو عصمة اللائذين) هذا الذي أيَّدته في كلّ زمانٍ هو عِصمةُ اللَّائِذِين، قَطْعًا نُمْنَع نحن ونُعصَم إذا تمسّكنا به، فنحن نلوذ بشخصيَّةٍ قادرةٍ على أن تمنعنا، قادرة على أن تحمينا، قادرة على أن تقف حاجزاً بيننا وبين أيّ ضررٍ يصيبنا.
قال: (وهو كهف المؤمنين)، وهذا التعبير في منتهى الروعة، وصف الحماية بالكهف، لأن الإنسان يلجأ له بعد أن يبتعد عمّا يسوؤه فيلجأ إلى هذا الكهف، وهو تشبيه بقصّة أهل الكهف، أو أنّه تعبيرٌ بلاغيّ، كإشارةٍ إلى هذه المنعة، وأيضاً عروة المتمسّكين وهذا تعبيرٌ قرآنيّ، لكونه العروة الوثقى التي لو تَمسَّك بها الإنسان، لا شكّ أنّه سيكون من الناجين والفائزين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من المتمسّكين بعد أن بصّرنا الله تعالى، وهذه نعمةٌ أن الله تعالى يبصّر عبده بنعمةِ الإمامة، فاللهمّ إنا نشهد بأنّنا لو كنّا في يوم الغدير لبايعنا أمير المؤمنين(عليه السلام)، ونشهد أننا الآن في هذا الزمن أيضاً نبايع أمير المؤمنين(عليه السلام)، فهو خليفتك وهو الذي أشار له النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بإشارةٍ واضحة وأيضاً نعتقد بالأئمّة الإثني عشر (سلام الله عليهم) أنّهم أئمّتنا وسادتنا.اللهمّ اجعل حياتنا سعيدة بهم في الدنيا، واجعل حياتنا سعيدة بهم في الآخرة، ولا تحرمنا من بركاتهم في الدنيا ومن شفاعتهم في الآخرة، أسأل الله تعالى للجميع دوام التوفيق والتسديد بمحمدٍ وآله، وأن تكون هذه الجلسات البحثيّة رافدةً لمكتبتنا الإسلامية، وتعزيزاً لعقيدتنا في الإمامة، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.