مركز الفضل... أنموذج عراقي رائد في حفظ التراث المخطوط والأرشيف الوثائقي
موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة
2025-07-11
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتُهدّد فيه الأزمات ذاكرة الأمم، تبقى المبادرات التي تهتم بصيانة التراث المعرفي والديني تمثّل صمّام الأمان للهوية الثقافية. ومن بين أبرز هذه المبادرات في العراق، يبرز المشروع الذي أطلقته العتبة العباسية المقدسة لحفظ وصيانة الكتب والمخطوطات والوثائق التاريخية، والذي يشكّل اليوم تجربة رائدة على مستوى المنطقة.
منذ ما يقارب العقدين من الزمن، بدأت العتبة العباسية جهودها لحماية هذا الإرث الغني من الضياع، ليس فقط من خلال توفير بيئة تقنية متطورة، بل أيضًا عبر بناء كوادر وطنية متخصّصة قادرة على التعامل مع هذا النوع من التراث. ولتسليط الضوء على تفاصيل هذا المشروع الرائد، كان لنا هذا حوار مع السيد عقيل الياسري، رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة ليحدثنا عن البدايات، وما الذي دفع العتبة العباسية لإطلاق مشروع ترميم وصيانة المخطوطات؟
انطلق المشروع من شعور عميق بالمسؤولية تجاه الإرث الفكري والديني الذي تحتضنه العتبة المقدسة. منذ ما يقارب العقدين من الزمن، بدأنا العمل على مشروع مؤسسي طموح لحماية الذاكرة الثقافية من التلاشي، والحفاظ على هذا الإرث للأجيال القادمة.
س: متى بدأ المشروع فعليًا؟ وما أولى خطواته؟
انطلق المشروع فعليًا عام 2006م، حيث بدأنا بجمع الكتب الحجرية والمطبوعة القديمة، إلى جانب المخطوطات والوثائق التاريخية التي كانت موزعة في أروقة العتبة العباسية. وقد شكّلت هذه المرحلة نواةً أولى لمشروع الحفظ والصيانة.
عقب ذلك، تم تأسيس وحدة متخصّصة ضمن مكتبة العتبة العباسية المقدسة للعناية بهذه الوثائق. ومع تطوّر العمل واتساع نطاقه، تحوّلت هذه الوحدة إلى مركز مستقل يحمل اسم: "مركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط والأرشيف الوثائقي"، ليصبح اليوم أحد أبرز المشاريع المتخصّصة في هذا المجال داخل العراق.
س: كيف تعاملتم مع الجانب الفني والتقني لحماية هذه الوثائق؟
حرصنا على توفير بنية تحتية متقدمة لحفظ المواد النادرة. أنشأنا قاعة حصينة مخصّصة للمخطوطات والوثائق، مجهّزة بأحدث التقنيات: أجهزة تحسس دقيقة للحرارة والرطوبة، منظومة ذكية لإطفاء الحرائق، كاميرات مراقبة، وأنظمة أمان بمعايير دولية. هدفنا كان خلق بيئة مثالية تحمي المخطوطات من التلف البيئي والزمني.
س: وماذا عن الكوادر البشرية؟ هل تم إعداد فريق متخصص؟
نعم، تولينا تأهيل فريق وطني متخصص من خلال دورات تدريبية محلية ودولية. تم تدريبهم على طرائق الفحص والمعالجة البايولوجية والكيميائية، التعقيم، والصيانة الوقائية. هذا الفريق اليوم يشكّل العمود الفقري لمركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط.
س: ما أهمية هذا المشروع في السياق العراقي؟
عانت المؤسسات العراقية كثيرًا من ضياع الوثائق والمخطوطات بسبب الحروب والإهمال. مشروعنا يسدّ فراغًا كبيرًا في مشهد حفظ التراث الوثائقي، ويعيد الحياة لصفحات من الذاكرة الثقافية والدينية التي كادت تندثر.
س: وهل هناك خطط لتوسيع نطاق العمل أو التعاون مع جهات خارجية؟
نحن مستمرون في تطوير المشروع، ونعمل على جعله مركزًا مرجعيًا على مستوى العراق والمنطقة. كما نسعى إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والمكتبات العالمية المتخصصة في صيانة التراث.
س: ما الرسالة التي توجهونها من خلال هذا المشروع؟
نقول إن حماية التراث ليست مسؤولية الماضي، بل هي استثمار واعٍ في المستقبل الحضاري للأمة. ونعاهد الجميع أن تظل العتبة العباسية منارة لحفظ الفكر والدين والثقافة.