النشاطات

من دهوك إلى البصرة.. ذاكرة وطنٍ تُكتب بالنور وتُقاوم بالفكر

من دهوك إلى البصرة.. ذاكرة وطنٍ تُكتب بالنور وتُقاوم بالفكر

موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة

2025-11-13

من أقصى الشمال إلى جنوب العراق، ارتحل قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، حاملاً مشعل الوعي وذاكرة الوطن التي تأبى النسيان، فقد انطلق ممثَّلًا بالمركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف في جولةٍ بحثيةٍ وثقافيةٍ واسعةٍ امتدّت من دهوك إلى البصرة، ليجمع شتات الذاكرة، ويُعيد للوعي العراقي صوته المقاوم للفكر المنحرف. لم تكن الجولة مجرّد فعالية علمية، بل كانت رحلة في وجدان العراق، سعت إلى توثيق ما تبقّى من شواهد الألم والصمود، عبر ندواتٍ فكريةٍ ومعارض وثائقية وصوريةٍ جابت الجامعات والمراكز الأكاديمية، تحمل في طيّاتها رسائل سلامٍ وتعايشٍ وإنسانيةٍ، تُذكّر الأجيال بأن حفظ الموروث هو حفظٌ للهوية، وأن من لا ذاكرة له لا مستقبل له. وفي جامعة الموصل، حيث تعانقت أنقاض الحرب مع نبض الحياة، استهلّ المركزُ جولته بندوةٍ علميةٍ بالتعاون مع مركز بناء السلام والتعايش السلمي، حملت عنوان "حماية الموروث الثقافي ودوره في ترسيخ ثقافة السلام". قدّم فيها الدكتور رائد عبيس ورقةً بحثيةً تناولت "الموروث الثقافي في إحاطات فريق التحقيق الدولي (يونيتاد) بجرائم داعش"، تلتها إقامة معرضٍ وثائقيٍ وصوريٍ ضمّ وثائق وصورًا نادرةً لضحايا نظام البعث والإرهاب، لتبقى الشواهد حاضرةً في الذاكرة، تشهد أن العراق وإن جُرح، فإنه ما زال يكتب تاريخه بالحبر والدم والنور. وفي مدينة الموصل أيضًا، شهدت جامعة النور ندوةً أخرى بعنوان "التنوّع الثقافي في العراق: تحدّيات الدولة وفرص التعايش"، ألقى خلالها المستشار العلمي للمركز الدكتور قيس ناصر راهي كلمةً أكّد فيها أنّ التنوّع الثقافي يُعدّ ركيزةً أساسيةً لبناء السلام الاجتماعي وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. ومن هناك، اتجهت القافلة الفكرية إلى دهوك، حيث شارك باحثو المركز في ندوةٍ علميةٍ أقامتها جامعة دهوك، تناولت ضرورة بناء بيئةٍ فكريةٍ تُناهض التطرّف والانحراف وتحذّر من تمجيد الطغاة، عبر استعراضٍ تحليليٍّ لجرائم النظام البعثي وأثرها في تشكيل وعيٍ جمعيٍّ مضادٍّ للعنف والكراهية. ثمّ كانت المحطة التالية في جامعة كربلاء، حيث أقيمت ندوةٌ علميةٌ بعنوان "التطرّف الفكري: أسبابه وسبل الوقاية والعلاج"، ألقاها الدكتور ثائر غالب الناشي، متناولًا فيها الجذور الفكرية لظاهرة التطرّف وأدوات مواجهتها معرفيًا وثقافيًا، ومؤكدًا أن الفكر لا يُحارب إلا بالفكر، وأن الوعي هو أول سورٍ في وجه الجهل والانحراف. وتواصلت الرحلة جنوبًا نحو محافظة البصرة، حيث أقيمت ندوةٌ بالتعاون مع مركز دراسات البصرة والخليج العربي بعنوان "توثيق جرائم التطرّف وأهميته في دعم الأمن الوطني وتعزيز التعايش السلمي في العراق"، قدّم خلالها الدكتوران قيس ناصر راهي وثائر غالب الناشي بحوثًا أكّدت على أن التوثيق العلمي فعلُ مقاومةٍ ضد النسيان، وركيزةٌ في بناء منظومةٍ وطنيةٍ لحماية السلم المجتمعي. كما نظّم المركز ندوةً أخرى في الجامعة التقنية الجنوبية تحت عنوان "توظيف التقنيات الفنية في توثيق جرائم التطرّف بالعراق"، ناقشت أهمية التقنيات الحديثة في حفظ الذاكرة الوطنية من الضياع والنسيان، ليبقى الأرشيف العراقي شاهدًا ناطقًا يروي للأجيال حقيقة ما جرى. وعلى هامش جميع الندوات والفعاليات، أُقيمت معارض وثائقية وصورية عرضت وثائق وشهادات وصورًا نادرة لضحايا الإرهاب والنظام البعثي، في محاولةٍ لجعل الذاكرة العراقية حيّةً وشاهدةً على معاناة أبنائها، ولتكون تلك الشواهد دعوةً متجددةً لترسيخ قيم السلام والعدالة والتعايش. وفي ختام الجولة، أكّد المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف استمرار جهوده في توثيق الجرائم وحفظ الذاكرة الوطنية، باعتبارها ركيزةً أساسيةً لبناء مستقبلٍ يسوده الوعي والسلام، فالأممُ التي تحفظ ذاكرتها، تحفظ وجودها، والعراقُ إذ يوثّق آلامه، إنما يصوغ بها وعيًا جديدًا يضيء طريق الغد.