العتبة العباسية المقدسة تستذكر مناقب وفضائل أبي الفضل العباس (عليه السلام)
موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة
2025-12-04
استذكرت العتبة العبّاسية المقدّسة مناقب وفضائل أبي الفضل العباس (عليه السلام) وبصيرته النافذة.
جاء ذلك في كلمة العتبة المقدّسة التي ألقاها عضو مجلس إدارتها الدكتور عباس الدده الموسوي، خلال انطلاق فعّاليات مسابقة الجود العالمية للقصيدة العمودية بنسختها الحادية عشرة.
ونظّم المسابقة قسمُ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة المقدّسة بالتعاون مع جامعة الكفيل، تحت شعار (أبو الفضل العباس -عليه السلام- الأخ الأوفى والظهير الأتقى)، وتُقام سنويّاً بالتزامن مع ذكرى وفاة السيّدة أمّ البنين(عليها السلام).
وفي أدناه نصّ الكلمة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه وعلوّ مكانه؛ حمدًا له بجميع محامده كلّها على جميع نعمه كلّها، وأزكى الصلاة وأتمّ التسليم على سيد من خلق، وصفوة من اصطفى، وعلى أهل بيته أهْلِ الذِّكْرِ وَأُولِي الأمر، محالّ معرفة الله، وسدنة رسالته وموضع هدايته.
السلام على سفينة النجاة، بقيةِ الله في أرضه، والسلام عليكم أيّها الحضور الكريم، بمقاماتكم المحمودة، وأسمائكم البهية، وصفاتكم الموقّرة ورحمة الله تعالى وبركاته..
في كلّ مناسبة يلتئم فيها شملُ أدباءَ أو شعراءَ في مسابقةٍ تعني أبا الفضل العباس(عليه السلام)، أقول، مكرّرًا، متلذّذًا، إن أمرَ العباسِ(عليه السلام) في صميم أمرِ أهل البيت(عليهم السلام)؛ فقد جرى أبو الفضل العباس(عليه السلام)، في ميادين أهل البيت(عليهم السلام)، وعلى أعراق أبيه (عليه السلام)، إذ أشبه سيدَ الأوصياء وصالحَ المؤمنين في صلاحه، وإيمانه، وعبادته، وبصيرته..
(وكما تكرّر النبيُّ في عليّ وفي سبطيه، فقد تكرّر عليٌّ في العبّاس) كما قد قيل، وهو قولٌ لا بدّ أن ننحني له إعجابًا، ونقول به اعتقادًا ولا غرابة في هذا القول، فقد كانت للعباس من أبيه شَنَاشِنُ، فهو على شَاكلَة أبِيه؛ بل إنه ما تركَ مِنْ أبيه -في الإيمان- مَغْدى ولا مَرَاحاً، ودون ذلك شاهدٌ بل شواهد لا يكفّ التاريخ عن إعلانها، والتلذّذِ بذكرها..
وكان كأبيه (عليه السلام)، من مبتدأ السيرة حتى ختامها؛ مرورًا بهالاتٍ لا نهايةَ لأمدها، وكراماتٍ لا نفادَ لعددها..
وقد جرى العباسُ(عليه السلام) على أعراقِ أبيه (عليه السلام)، إذ أشبهَهُ، وجاء وَلَدُه على غرارٍ واحد؛ فقد نشأ العباس (عليه السلام) في بيت الوحي والنبوّة والإمامة، محاطًا بهالةِ العصمة، بين الأنوار المحمّدية، أقطابِ الهداية البشرية، فاكتسب العلمَ والمعرفةَ، وتربّى على الفضائلِ والخلالِ الحميدة.
وتقلّبَ في ظلال أبيه الوارفة دهرًا، ثم تنعّم بإمامة أخوَيْه الحسنين(عليهما السلام)، وامتاح منهما المعارفَ الربّانية، وأنوارَ العلوم ومجمعَ الفضائل، والنبلَ الإنساني كما أرادت له المشيئةُ الإلهيةُ أن يكون عند بني البشر.
وقد نشأ العباسُ(عليه السلام) في مدينة العلم (رسول الله صلّى الله عليه وآله)، وأبوه (بابُ) تلك المدينة.. وقُدِّر له أن يكون حواليه من الأئمّة المعصومين أربعةٌ، وقد لازم الحسنَيْن (عليهما السلام)، سيدَي شباب أهل الجنة، وتنعّم بمعاصرتهم، وما جاد به زمنُهما ويوميّاتُهما من كنوز الأخلاق والعلوم وهباتِ الإسلام، فتطبّع بطباعهما، وتعلّم بعلومهما، وتخلّق بأخلاقهما.
فلا غرابة أن تتجاوبَ في فضاء التاريخ تفوّهاتٌ من قبيل أنه (عليه السلام): (زُقَّ العلمَ زقا)، وأن يكون ناتجًا طبيعيًا لتلك النشأة، أن نجد مرويّةً بسندٍ معتبرٍ عن أبي حمزة الثمالي عن إمامنا جعفر الصادق(عليه السلام)، تقول: (كان عمُّنا العباسُ نافذَ البصيرة، صُلْبَ الإيمان).
وقد ورث أبو الفضل فضائلَ أبيه، وسار على هديه، واستنّ بسننه؛ فحلّق بها فوق قممِ الشرفِ والمجد، وسمت به نفسُه، حيث لا هوىً ولا نوازعَ، فاعتلى القمّةَ، مضحّيًا بدنياه في سبيل آخرتهِ، ساعيًا لها سعيَها، وآثر رضا الله على رضا غيرِه، وفعل ما فيه مرضاةُ الله سبحانه وتعالى، فجاهد في سبيل الله صادقًا محتسبًا..
وكيف لا وهو سليلُ النبوّةِ والإمامة؟ وكيف لا وهو غرسُ أمّهِ أمِّ البنين(عليها السلام)؟ التي تركت في مروّيات التاريخ سيرةً باذخةً؛ إذ أخلصت المودّةَ، وأمحضت الموالاةَ، لبيت عليّ (عليه السلام)، فصارت فيه، بل في التاريخ كلِّه، ذاتَ جاهٍ وجيهٍ ومنزلٍ رفيع ولا عجب أن يأخذَ عنها، بل العَجَبُ أن لا يشاكلَها، ويضاهيها، ويماثلَها، ويضارعَها، ويحاكيها، ويناظرَها..
فجاء ولدُها على غرارٍ واحد، كما تقول العرب، وقد تشيّمَ أُمَّهُ؛ فأشبهها في شيَمِها، فأخلص المودّةَ، وأمحض الموالاةَ، وتلبّس التضحيةَ والإيثارَ، وتمثّل الوفاءَ، ففاض به، مثلما فاض بالفضائل كلِّها.
أيّها الكرام؛ أقولها مؤمنًا، وأستعيدها موقنًا، أنّ العباسَ ما ذُكِرَ خَبَرُهُ فِي مَحفِلٍ مِن مَحافِل أَهلِ الأَرَضِ وَفِيهِ جَمعٌ مِن شِيعَتِه وَمُحِبِيِّه إِلاّ وَنَزَلَت عَلَيهِمُ الرَّحمَةُ؛ لأنّ استعادة ذكرِهِ، واستعذابَ فضائله، نحوٌ من أنحاءِ الاحتفاءِ بأهل البيت(عليهم السلام)، وإظهارِ فروضِ الحبِ والطاعة والولاء لهم (عليهم السلام)، الذين جعل اللهُ (مودّتَهم) أجراً لرسالة محمدٍ (صلّى الله عليه وآله)، لقولِه، عزّ من قال: (قُلْ لّا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى).
ولأنّنا نلتقي في رحاب العبّاس(عليه السلام)، فإنّنا لا شكّ سنزيدُ في صفحات النور المدوّنة في عصرنا، وأنّنا سنُضيءُ بها ما اظلَمَّ من أفقِ زمنِنا، ليكون بؤرةَ إشعاع، واقتداءٍ دائمًا وأبدًا.
نشكر كلَّ من كان وراء إقامة هذه المسابقةِ (مسابقةِ الجود العالمية الحادية عشرة للقصيدة العمودية)، وسعى إلى تحقيق مطامحها وغاياتها.
شكرًا لقسم الشؤون الفكرية، شكرًا لجامعتنا الغرّاء جامعةِ الكفيل
شكرًا للجنة التحكيم الموقّرة، شكرًا للّجنة التحضيرية الموقّرة
شكرًا للشعراء لبهاء أسمائهم، وعذوبة أشعارهم
شكرًا لكلّ من حضر بمقاماتٍ محمودة، وصفاتٍ محفوظة
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..