المُلتقى الوطني للنخب الشبابية يشهد قراءة علمية في نصائح سماحة السيد السيستاني للمؤمنين في عصر الغيبة
موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة
2025-12-19
شهدت فعّالياتُ اليوم الأوّل للمُلتقى العلمي الوطني الثاني للنخب الشبابية، قراءةً علميّةً في نصائح سماحة السيد السيستاني للمؤمنين في عصر غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، قدّمها أستاذ البحث الخارج السيد منير الخباز.
ويُقام المُلتقى برعاية العتبة العبّاسية المقدّسة، ويُنظّمه مركزُ مُلتقى القمر الثقافي، التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة المقدّسة، وبالتعاون مع جمعية العميد العلمية والفكرية، تحت عنوان (الأمن الفكري في نصائح سماحة السيد السيستاني -دام ظلّه الوارف- للمؤمنين في عصر غيبة الإمام المهدي -عجّل الله فرجه-).
وذكر السيّد الخباز أن "من منطلق الفطرة يُمكن تحليل ما أفاضه سماحة السيّد السيستاني (دام ظلّه)، من التوصيات والإرشادات لكلّ من تصدّى لخدمة الدين الحنيف في مجالس الذكر، وهي مجالس أهل البيت (عليهم السلام)، بالكلمة النافعة كالعلماء والخطباء والشعراء والرواديد، فإن جميع التوصيات تنبثق من رؤيته الخاصّة لمعنى الفطرة الإنسانية".
وأوضح أن الفطرة تحتمل ثلاثة معانٍ رئيسة؛ أوّلها "الجِبِلّة والطلب" وهي الطبع الإنساني، وثانيها "الجهاز الداخلي لخلقة الإنسان" الذي يمثّل ابتداء الصورة والكيفية كما في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ)، أمّا المعنى الثالث فهو "المخزون من القيم" الذي زوّد الله به الإنسان ليكون ميزاناً لإنسانيّته ورصيداً يستثمره في الإنتاج والمسيرة العملية.
وبيّن المحاضر أن وصايا سماحة السيد السيستاني الـ (12) أكثر كلمةٍ تكرّرت فيها هي كلمة "الفطرة"، ممّا يُرشد إلى أنّ المُنطَلَق الذي انطلَقَ منه هو انسجامُ الإنسان المُبلِّغ مع هذا المخزون الذي أوضعه الله في فطرته وذلك يتجلّى من خلال عدة معالم:
المَعلَم الأوّل: التعبير عن الوصايا بالحِكَم استناداً لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، والحكمة استثمارُ القيم الفطرية في مسيرة الحياة.
المَعلَم الثاني: التسلسل في بناء شخصية الإنسان على ضوء ما تقتضيه الفطرة، فإن شخصيّة الإنسان تعتمد على أسسٍ ثلاثة الثقافة والقِيَم والاقتداء أي الاتّباع، فركّز أولاً على البناء الثقافيّ الإيمانيّ، وركّز ثانياً على الإصلاح الخلقي، وركّز ثالثاً على الاقتداء والاتّباع، وكلّ هذه الأسس الثلاثة من منطلق القرآن ونهج البلاغة.
المَعلَم الثالث: أهمّية الإعلام الذي أصبح أقوى سلاحٍ في إدارة المعارك والإطاحة بدولٍ، من خلال استخدام الأساليب العاطفية الممتزجة بالمؤثّرات الصوتية والمرئية، واقتران النغمة بالمشهد التصويري المناسب لها وانتقاء الكلمات المثيرة للمشاعر، والتركيب بين الصور بما يوهم أنّه حدثٌ واحد مترابط.
وحول المَعلَم الثالث بيّن الخباز، أن سماحة "السيد السيستاني -مُدّ ظلّه- أراد أن يُحدِثَ نقلةً في دور الإعلام الحسينيّ بما يجعل دوره دوراً رسالياً، فكرياً لا عاطفياً فقط، بل جامعاً بين العِبرة والعَبرة وأنّ دور الشاعر والرادود لا يقلّ عن دور المحاضِر والخطيب في تربية الأجيال على فكر أهل البيت (عليهم السلام)، وحسن أخلاقهم وجمال سيرتهم".
المَعلَم الرابع: الصورة أبلغ من الكلمة وهذا ما يؤكّده علماء النفس في حسن إدارة الأسرة، وهي أن الصورة السلوكية للأب والأم وتعاملهما مع بعضهما البعض هي أكبرُ تأثيرٍ في نفس الطفل في السنوات الأولى من عمره، وتأثيرها أكثر من الكلام الذي يخرج من الأبوين، لذا فإن الصورة السلوكية الرائعة الجميلة لأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) هي الدعوة الجذّابة للانتماء للمذهب، أكثر من المحاضرات والكتب والخطب، وقد ورد في الحديث الشريف (كونوا دُعاةً لنا بغير ألسنتكم).
المَعلَم الخامس: معاريض الكلام وهي المداليل الالتزامية للكلام، والكلام له مدلولٌ مطابق وله إيحاءات وإشارات، وهذه المعاريض هي اللحن الذي ينبغي التأمّل فيه، إذ إن كيفية التنسيق بين الأهداف العُليا للدّين في مقام البيان، بحيث لا يوجب شرح هدفٍ منها شرح هدفٍ آخر ولا ترسيخ مقصدٍ منها، وهنا مقصدٌ آخر، هنا تبرز مهارة الخطيب والمحاضر وبراعته في الجمع بين الأهداف والمقاصد بنحوٍ متناسق.
وبيّن المحاضر أن سماحة السيد السيستاني (مُدّ ظلّه) ركّز على هدفين، الأوّل: الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم، والهدف الثاني: وحدة الأمّة، وهنا الحكمة هي تجنّب طرح ما يُثير الفرقة بين المؤمنين والاختلاف فيهم، كالتركيز على اختلافهم في التقليد أو تفاصيل بعض المعتقدات.
المَعلَم السادس: خطر الابتداع، وهذا من أشدّ الأخطار التي نحن مبتَلُون بها، لما يؤدّي إليه من تشعّبٍ بالدين لمعتقداتٍ مختلفة وإحداث فرق متباينة، وهذه أبرز المشاكل في الخطاب المنبريّ المعاصر في داخل العراق وخارجه.
واختتم الخبّازُ حديثه بأنّ الخطاب المنبريّ يتطلّب عناصر أساسية، أوّلها الفضيلة العلمية الحوزوية التي يقتدر بها على تمييز الرواية وتحليل معنى الآية والتعمّق في الأحاديث الشريفة، تليها الثقافة والمعلومات الواسعة المناسبة لكلّ موطنٍ في الآيات أو الروايات، بالإضافة إلى قراءة التاريخ قراءةً تحليلية والإلمام بمراحله ومنعطفاته، وأخيرًا حسن الأداء واللغة المؤثّرة، وتجنّب القول بغير علم وما أكثره في زماننا هذا، فإنّ ذلك محرّمٌ في الدين أيًّا كان مضمون القول.
وفي ختام المحاضرة كرّم نائبُ الأمين العام للعتبة العبّاسية المقدّسة السيد عباس موسى أحمد السيد منير الخباز، تثمينًا لجهوده.